هل يقرر “بنك المغرب” رفع سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة في ظرف سنة؟

في أعقاب آخِر اجتماعين فصليَيْن برسم السنة المالية 2022، أقرّ مجلس بنك المغرب زيادتيْن متتاليتين في سعر الفائدة الرئيسي ليستقر في 2,5 في المائة عند دجنبر 2023، بعد أن كان في مستوى 1.5 في المائة في يونيو 2022.

البنك المركزي المغربي برر، حينذاك، رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 2,5 في المائة بـ”تفادي عدم تثبيت توقعات التضخم، وتسهيل عودة التضخم إلى نسب تنسجم مع هدف استقرار الأسعار”، لافتاً إلى أنه “سيواصل تتبع الظرفية الاقتصادية والضغوط التضخمية، عن كثب، على الصعيدين الوطني والدولي”.

ومن المرتقب أن ينعقد يوم الثلاثاء المقبل، الموافق 21 مارس الجاري، أول اجتماع فصلي، في سياق وطني وكذا دولي خاص ما زال متّسماً باستمرار ارتفاع التضخم الذي سجل نسبة 8,9 في المائة عند متم يناير 2023.

كما يأتي ذلك في ظل “تحسن في توزيع القروض المصرفية على الرغم من التصاعد الطفيف في معدلات الإقراض، واستمرار تسارع المعروض النقدي (خاصة شق السيولة لتداول “الكاش”).

ورغم نهاية سنة 2022 رسمياً بـ6.6 في المائة كمعدل سنوي للتضخم في المغرب، فإن وتيرته ما زالت تتسارع بشكل تغذّيه الضغوط الخارجية، التي تمتد إلى السلع والخدمات غير القابلة للتداول، مما دفع محللين ومتابعين للوضعية الاقتصادية الوطنية إلى توقع ارتفاع جديد سيكون-في حال إقراره- هو الثالث على التوالي.

“كبح جماح التضخم”

الطيب أعيس، خبير مالي واقتصادي، قال إن رفع سعر الفائدة المرجعي من طرف البنك المركزي يقصد به، من الناحية النظرية، “كبح جماح التضخم”؛ إلا أن آثاره من الناحية العملية تمس مباشرة “تقليص استهلاك الأسر ونفقات الاستثمار بالنسبة للمقاولات”.

وأضاف أعيس، في تصريح لجريدة Alhayat 24، أن “تحليل الواقع أبان عن كون التضخم الراهن بالمغرب يظل في مُجمَله محكوما بعاملين أحدهما يلازم الآخر. العامل الأول تضخم مستورد (لاسيما أسعار المحروقات والمواد الأولية والغذاء)”؛ بينما العامل الثاني متمثل في “احتكار يحكم منظومة عدد من القطاعات الأساسية، إذ استغل المضاربون الظرفية للزيادة، خالقين بذلك تضخماً في الأسعار”.

وبخصوص رفع نسبة الفائدة، فهي “تصبح مؤثرة عندما يكون التضخم ناتجاً عن كتلة نقدية متضخمة في البلاد، إلا أن صمود ومرونة الاقتصاد الوطني وحركيّته جعلت المغرب لا يعاني هذا الإشكال”، يورد الخبير المالي ذاته.

ولفت أيضا إلى أن “رفع سعر الفائدة يحاول تقليص الإقراض البنكي، سواء الموجه لفائدة الأشخاص أو المقاولات”؛ وخلص إلى أن “الرفع من نسبة الفائدة لن يكون له تأثير ضد التضخم بالمغرب”.

“مساوئ ممكنة”

بالمقابل عدّد أعيس، في حديثه مع Alhayat 24، ما وصفها بـ”مساوئ” رفع السعر المرجعي للفائدة بشكل متوالٍ ومتكرر في ظرف زمني قصير، إذ من شأنه أن يؤدي إلى “تقليص الاستهلاك والاستثمار معاً”، محذرا من تبعات ذلك على “تقليص الحركة التجارية في البلاد؛ وهو ما قد يُدخل الشركات الوطنية في أزمة استهلاك نتيجة تقلص كبير في الطلب”.

كما قد يتسبب الأمر ذاته في “تأجيل الاستثمار بشكل يفضي إلى عدم خلق فرص شغل قارة، مما يجعل مشكلة البطالة بارزة بحدّة”. والخلاصة، حسب أعيس، هي “تكسير وتيرة النمو الاقتصادي السنوي وتقليص نسبَته”.

“نحن على مشارف تضخم ركودي هو الأخطر من نوعه”، يقرع أعيس جرس التحذير، مؤكدا أن “الدخول في دوامة تضخمية يهدد بمشاكل اقتصادية واجتماعية متشابكة”.

وختم موصياً بضرورة “التأني في تشديد قيود السياسة النقدية بالمغرب، وسط مجموعة أبناك عالمية تقع في فخ الإفلاس، مما يعني أن الثقة في النظام المالي والمصرفي تزعزعت”.

“شروط الرفع قائمة”

من جهته، اعتبر عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد بجامعة العلوم الاقتصادية بفاس، أن “نسبة التضخم المرتفعة تمت مجابهتها للحد منها، وهو ما دفع السلطات العمومية إلى اتخاذ حزمة تدابير ميزانياتية، وأخرى في إطار السياسة النقدية”.

ورغم رفع سعر الفائدة الرئيسي في مناسبتيْن ليصل إلى 2.5 في المائة، فإن “الشروط لا تزال قائمة لكي يقرر بنك المغرب رفعاً جديدا، سواء بـ25 أو 50 نقطة أساسا”، يوضح الهيري لAlhayat 24، قبل أن يستدرك قائلا: “إلا أن القرار يرجع في النهاية إلى بنك المغرب وخبراء مجلسه اعتمادا على تحليلات أنجزها، وبالنظر إلى تقييمه لآثار خطوات الرفع السابقة”.

وفي معرض تصريحه، ذكّر الخبير الاقتصادي بأن “أول شريك اقتصادي للمغرب (الاتحاد الأوروبي عبر بنكه المركزي) قام برفع سعر الفائدة الرئيسي بـ 50 نقطة أساسا، وكذلك الشأن بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خلال الأيام القليلة الماضية”. وتابع قائلا: “إلاّ أن الفارق بين المغرب وشركائه لا يجب أن يكون كبيراً، بالنظر إلى ارتهان التعاملات الخارجية إلى الأورو بنسبة 60 في المائة والدولار بـ40 في المائة”.

“لا تزال نسبة التضخم وفق أرقام مندوبية التخطيط تسجل أرقاما مرتفعة، وفق النشرة الشهرية ليناير 2023 مقارنة بالشهر ذاته من السنة المنصرمة”، يستشهد أستاذ الاقتصاد، موضحا أن “الهدف الأساس من رفع نسبة الفائدة هو الحد من الطلب الداخلي، وبالتالي تقليص مخاطر أن يصير التضخم بنيوياً”.

الرفع الأول يزيد فوائد القروض

يذكر أن أسعار الفائدة على القروض البنكية سجلت ارتفاعاً نهاية العام الماضي، إذ وصل معدلها العام إلى 4,5 في المائة، بارتفاع سنوي ناهز 26 نقطة، حسب معطيات صادرة عن بنك المغرب.

ويرجح أن يكون هذا الارتفاع نتيجة أول رفع لسعر الفائدة الرئيسي (الفائدة التي تقترض بها البنوك من بنك المغرب)، الذي كان في شتنبر العام الماضي، إلى 2 في المائة، ليتم رفعه مرة ثانية في دجنبر إلى 2.5 في المائة. لكن أثر الرفع الأخير لن يظهر إلا في نهاية الربع الأول من العام الجاري.

وكانت القروض الاستهلاكية التي حصل عليها الأفراد “أغلى”، إذ ناهز معدلها 5,72 في المائة. وبالنسبة للشركات غير المالية، كان السعر في حدود 4,3 في المائة. كما أفادت معطيات بنك المغرب أن نسبة فائدة اقتراض الشركات الكبرى بلغت 4,19 في المائة، في حين تقترض الشركات الصغيرة والمتوسطة بـ5,04 في المائة.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى