التلمساني ترصد العلاقة بين الأدب والفنون

خلصت الأديبة المصرية مي التلمساني إلى أن “العلاقة بين الأدب والفنون البصرية يمكن أن تتأسس على ثلاثة ملامح رئيسية، بلا أن يعني ذلك أنها الملامح الحصرية والوحيدة المتاحة للنقاش”، مسجلة أن هذه العلاقة “ليست ثنائية الأطراف، بل هي شبكة من الخطوط تربط بين عناصر متعددة تتجاوز النصوص ذاتها وتنفتح على خطابات الجمال وماهية الإبداع ووظائفه”.

ومن ضمن الخلاصات التي قدمتها التلمساني، في محور “الرواية العربية والخطاب البصري”، أن “العلاقة بين الأدب والفنون هي عملية تركيب وحضور دائم وتحاور بين نصوص متجاورة سابقة وتالية على عملية التناص”، كما أنها “علاقة تعدد ونفي للتراتبية والأسبقية، تحيل بصورة من الصور على ضرورة التفكير في تاريخ النظر، تاريخ لا تنفصل فيه الكتابة عن الفنون، نطل منه على العالم فتتسع رقعته إلى ما لا نهاية”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}

وفي مخاض الوصول إلى هذه الخلاصة، قالت الروائية والناقدة، التي كانت تتدخل إلى جانب الروائي المغربي محمد الأشعري واللبناني رشيد الضعيف، إن “سؤال العلاقة ألهم الكثير من الكتابات الفكرية والنقدية في الفلسفة وفي العلوم الإنسانية”، خصوصا “تلك الكتابات التي سعى أصحابها إلى التفكير في ربط طرفين أو عدة أطراف، تنتظم وفقا لها شبكة المعارف الأدبية والفنية، حتى وإن لم يتم تعيين لفظ العلاقة كمفهوم قائم بذاته في كثير من الأحيان”.

ورغبة من الباحثة في تقديم مداخلة أكاديميّة خالصة، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ44، أشارت إلى ثلاثة من المفكرين والنقاد الذين شغلهم سؤال العلاقة في مجال الفلسفة والأدب المقارن والعلوم الاجتماعية، لاسيما الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، والمفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد، وأستاذة القانون وحقوق الإنسان الأمريكية كمبرلي كرينشو.

وأوردت المتحدثة أن “دولوز مثلا، بمعية فيلكس جواتاري، في هذا السياق، أي في معرض التأسيس لمفهوم الجذمور (Rhizome)، قال إن ‘الريزوم شبكة من العلاقات تسمح بالتفكير في أنساق المعرفة، وهو سطح لمقاومة الفوضى، وهو أيضا نموذج ثقافي لوصل الرموز والإشارات ببعضها البعض وفهم سياقات الفن والثقافة وعلاقتهما بتشكلات السلطة ومؤسساتها’”، مردفة بأن الفيلسوفين يفكّران في كتابهما “ألف سطح” في “عمليات شديدة التعقيد تقوم على أسس الوصل بين نقطتين، اللاتجانس، التعدد، القطع الدال، فن رسم الخرائط وهوس النقل”.

وأوضحت الأديبة أن “هذا المفهوم يتيح تحليل العلاقة بين الأدب والفن بوصفها حركة انتزاع Deterritorialization، حركة دائبة لا ثبات فيها ولا مركز لها حتى وإن بدا للوهلة الأولى أنها علاقة شجرية، أي علاقة فرع بأصل أو جذر”، مضيفة: “تلك الحركة تحلّ محلّ فكرة التّناص: حلول نص في نص آخر؛ وتتجاوزها ربما لأن ما يميز العلاقة بين الأطراف والمراكز هو كونها علاقة لحظية زائلة”.

أما ادوارد سعيد، فتجد المتحدثة أنه “يؤسس منهجه في الأدب المقارن والدراسات ما بعد الكولونيالية على مفهوم الكاونتربوينت (Counterpoint) الموسيقي، وهو المفهوم الذي يسمح لنا باستخدام صيغ التعدد والتجاور والتراكب والتعارض لفهم العلاقة بين الأعمال الأدبية والفنية وتحليلها”، مسجلةً أن “مفهوم الكاونتربوينت تجلى في أفضل صوره في أعمال باخ الموسيقية وفي مجمل تراث الباروك في القرن السابع عشر، لكنه اليوم يصلح لأن يكون أداة فاعلة لإدراك وتحليل علاقة التجاور بين النصوص الأدبية والفنية”.

وتابعت التلمساني: “أحيانا تصعب قراءة النص الأدبي في غيبة تامة عن النص البصري الموازي أو المصاحب له”، وأكدت أن “تلك الحركة الدائبة بين النصوص يمكن قراءتها باستخدام مفهوم ‘الكاونتربوينت’ حيث تتجاور وتتمازج الأصوات والإشارات دون أن يفقد أي منها خصوصيته، لكن الهدف ليس إحداث أو بلوغ التناغم والذوبان، بل إن احتفاظ كل وسيط بجمالياته الخاصة وتجاورها هو ما يصنع خصوصية تلك الحالة الثالثة بين بينين، حالة الكاونتربوينت”.

أما مفهوم التقاطع (Intersectionality) الذي أطلقته كمبرلي كرينشو في دراستها عن اضطهاد المرأة الأفرو-أمريكية، وتبنته نظرية النقد النسوي منذ نهاية الثمانينيات، فهو، حسب التلمساني، “مفهوم يفضح العلاقة بين أنظمة الهيمنة التراتبية وبين التصورات السائدة عن المرأة، سواء بالإقصاء خارج المجتمع البطريركي، أو بتجاهل العلاقة الوثيقة بين النوع والعرق والهوية الثقافية والوضعية الاجتماعية والثراء والعمر إلخ”.

وقبل أن تعيد المتحدثة الكلمة إلى مسير الجلسة، شرف الدين مجدولين، أفادت بأن “التقاطع، هذا المفهوم الراسخ في مجال العلوم الاجتماعية اليوم، من شأنه أن يؤصل لبعد إستطيقي جديد للعلاقة بين الأدب والفنون البصرية، بنقد هيمنة النص الأدبي وفتح النقاش حول تعددية السياقات والمصادر والمسارات في شبكة العلائق المؤسسة للعملية الإبداعية برمتها”، مبرزة أن “التقاطع لا الصراع والتراتبية هو ما يسمح لنا بفهم الحوارية بين النصوص والخطابات المختلفة، وتأويلها ضمن سياقاتها الثقافية والنوعية المختلفة”.

من جانبه، فضل رشيد الضعيف، الروائي اللبناني والأستاذ بالجامعة الأمريكية بلبنان، أن يركز في مداخلته على تجربته والصعوبات التي يجدها في محاولة كتابة أعمال قابلة للتصوير، وأيضا في مساراته الخاصة بالسيناريو، التي وجد أن العديد منها غير قابل للإنتاج، كـ”السيناريو الذي نزل كالوحي بعد انفجار مرفأ بيروت”؛ فنقل هذه الكتابة إلى عمل بصري، حسبه، كان سيكلف ملايين الدولارات، وهو ما لم يكن ممكنا مبدئيا وأخلاقيا بالنظر إلى الأزمة التي تمر منها لبنان.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى