
أنامل حرفيين مغاربة تحرص على استكمال التعابير الجمالية للفروسية التقليدية
لا يكتمل جمال عروض الفروسية التقليدية المنظمة على هامش معرض الفرس بالجديدة في نسخته الرابعة عشرة، إلا بتدخل مباشر من مجموعة من الصناع التقليديين المغاربة الذين تبدع أياديهم في صناعة المكونات التي يتزين بها فرسان التبوريدة ويزينون بها خيولهم لتبدو في أحلى حلة، ذلك أن لباس الخيال وزينة الخيل من المعايير التي تعتمدها لجنة تحكيم الجائزة الكبرى لمحمد السادس للتبوريدة التي تدور فعالياتها بمعرض الفرس.
في قطب “حرف المغرب” بمعرض الفرس، وفي خيام بيضاء تتوسط “مركز المعارض محمد السادس” الذي يحتضن هذه التظاهرة الثقافية، يعرض مجموعة من الحرفيين ما تبدعه أناملهم من منتوجات وأكسيسورات موجهة أساسا لعشاق ركوب الخيل وفرسان التبوريدة، على غرار البنادق أو “المكاحل”، السروج، الجلاليب و”التامك”، وغيرها من المنتجات الأخرى.
#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} المكاحلي”.. الإتقان يضمن الأمان
زارت جريدة الحياة 24 الصانع التقليدي “المكاحلي”، أي صانع البنادق التقليدية بلغة أهل التبوريدة، عبد الله نمير، الذي يتخذ من ركن بالمعرض فضاء لعرض ما أبدعت يداه. يحكي الرجل وعلامة الفخر والاعتزاز بادية على محياه كيف ورث حرفة صناعة البنادق من آباءه وأجداده.
“أغلب المزاولين لحرفة المكاحلي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم”، يؤكد عبد الله الذي يشتغل كذلك مُؤطرا بمركز التكوين والتأهيل في حرف الصناعة التقليدية بمدينة سلا، قبل أن يستدرك بأن “صناعة البندقية مسؤولية قبل أن تكون حرفة، وبالتالي فعلى الصانع أن يُتقن عمله وأن يكون مُلما بتقنيات صناعة وتجميع العناصر المكونة للبندقية تفاديا لانفجارها في وجه الفارس لا قدر الله”.
ولكن مما تصنع البندقية التقليدية؟ يجيب المتحدث عينه بأنها “تتكون من العود ومن الجعبة أو الماسورة التي تعد عماد المكحلة حيث يجب أن تكون من النوع الممتاز”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “هذا العنصر يتم استيراده من الخارج بدعم من الدولة التي توفره للصناع التقليديين بأثمنة جد مناسبة”.
وحول أسعار البنادق التي يبيعها، أوضح نمير في تصريح لجريدة الحياة 24 أن “ثمن المكحلة يتراوح ما بين 2500 و30 ألف درهم، حسب مكونات كل بندقية والعناصر التي تُزين بها، وحسب ذوق ورغبة كل زبون”، مشيرا في الصدد ذاته إلى أن “صناعة بندقية واحدة قد تستغرق ما بين ثلاثة إلى سبعة أيام، حسب جودتها”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “حرفة صناعة البنادق التقليدية عرفت انتعاشا كبيرا في السنوات الأخيرة، منذ أن أولت الدولة في شخص الملك محمد السادس أهمية كبيرة للفرس ولعروض التبوريدة من خلال تنظيم مجموعة من التظاهرات الثقافية على غرار معرض الفرس بالجديدة وغيره من التظاهرات الأخرى”.
سرج الفرس.. ثمرة مجهود 17 صانعا تقليديا
في مكان غير بعيد عن عبد الله، يعرض السقاط هشام، 51 سنة، صانع السروج التي تتزين بها الجياد المنحدر من مدينة فاس، مجموعة من السروج التقليدية المغربية الأصيلة مختلفة الألوان والأشكال، التي تستوقف تفاصيلها الدقيقة زوار الرواق الذين لا يتردد هشام في مدهم بالمعلومات التي يستفسرون عنها.
تسأله الحياة 24 عن سر الاختلاف ما بين السروج المعروضة والفرق بينها، فيجيب: “هناك نوعان أساسيان من السروج، غير أن النوع الممتاز هو ذاك المصنوع من جلد البقر”، مشيرا إلى أن “السرج المغربي التقليدي تدخل في صناعته مجموعة من المكونات على غرار الخيوط الذهبية المسماة بالصقلي والحرير، إضافة إلى مكونات أخرى كالحديد والنحاس والخشب”.
وأكد المتحدث أن “صناعة سرج واحد تتطلب تدخل 17 صانعا تقليديا محترفا”، مسجلا في الوقت ذاته أن “مرحلة الطرز هي أصعب مرحلة في صناعة السروج، إذ تتطلب أولا شخصا محترفا ومتمرسا على ذلك، كما أنها المرحلة التي تأخذ وقتا طويلا من مجموع المراحل التي تمر منها صناعة السرج، إذ يمكن أن تستغرق هذه المرحلة لوحدها عاما كاملا”.
لم يخف الصانع التقليدي فخره واعتزازه بحرفته، كاشفا أن “السرج الواحد يتكون من 42 عنصرا يتم تجميعها في تناسق وانسجام”، لافتا إلى أن “صناعة سرج تقليدي أصيل بإتقان محكم قد تتطلب من الحرفي حوالي عامين كاملين من الزمن، فيما لا تتجاوز مدة صناعة سرج بمواصفات بسيطة مدة ثلاثة أشهر”.
وبخصوص أسعار السروج التقليدية، قال السقاط إنها “تبدأ من 4 آلاف درهم وصولا إلى 30 ألف درهم، حسب جودة السرج ومكوناته”، مسجلا هو الآخر أن “تنظيم التظاهرات المرتبطة الفرس وبفنونه إضافة إلى الجوائز والمسابقات الكبرى، أعطى دفعة قوية لصناعة السرج التقليدي، كما أن إقبال الشباب المغربي على ركوب الخيل والمشاركة في عروض التبوريدة أنعش هذه الصناعة”.
“الركاب” و”الفاس”.. صناعة من نحاس
ومن ضمن الصناع التقليديين الذين تحضر لمساتهم في صناع السروج، هناك صناع النحاسيات على غرار “الركاب” و”الفاس”، إذ يقصد بالأول ذلك الزوج من الحلقات النحاسية التي تستخدم لمساعدة الفارس على فرسه، فيما يقصد بالثاني تلك الحلقة المعدنية التي توضع في فم الحصان للتحكم في حركاته وسكناته، وتسمى أيضا “الشكيمة”.
داخل أروقة معرض الفرس بالجديدة كان لالحياة 24 لقاء بالصانع التقليدي الشاب الساخي عمر، 37 سنة، الذي ورث هو الآخر عن أجداده وآبائه حرفة صناعة أدوات ركوب الخيل وغيرها من المكونات الأخرى التي لا تستقيم عروض التبوريدة دون حضورها على غرار البراد المغربي والصينية، التي يعرض عمر بركنه مجموعة منها، والتي لا يمكن أن يمر الزائر دون أن يجذبه بريقها الناصع.
يقول الشاب المنهمك في نحت أحد “الركاب” فوق قطعة نحاسية مثبتة على مكعب متوازي المستطيلات يحكي لونه الذي نال منه الزمن قصة عمر: “ورثت هذه الحرفة عن أبي أطال الله في عمره الذي حبب إليّ صناعة النحاس”، مشيرا إلى أن “ما يصنعه مرتبط أساسا بالفارس والخيل وبالمطبخ المغربي كالصينية والبراد والباربور، ذلك أنه في ثقافتنا الشعبية لا يحلو أي نشاط مهما كان دون كأس شاي مغربي”.
وسجل المتحدث عينه، الذي يملك ورشة تقليدية بمدينة فاس، حرصه على تطوير هذه الحرفة والنهوض بها، إضافة إلى حرصه على توريثها إلى أبنائه، قائلا: “لدي أبناء صغار أصحبهم معي إلى الورشة للتعرف عن قرب عن حرفة أبيهم، ولا يتوانون في بعض الأحيان في تقليدي وأنا أشتغل”.
السؤال نفسه المتعلق بمدى انتعاش هذه الصناعة وجهناه إلى عمر، الذي أوضح أن “حرفته تعرف انتعاشا على طول السنة بفضل كثرة المناسبات والاحتفالات ومواسم التبوريدة في المغرب، حتى إننا نقوم بتصدير منتجاتنا إلى الخارج، خاصة دول الخليج التي أصبحت توظف منتوجات الصانع التقليدي المغربي في عروض وفعاليات الخيل التي تنظمها”.
الجلباب والبلغة و”التماك”.. زينة الفارس
وللفارس كما الفرس نصيب من الزينة، حيث لا تكتمل أركان التبوريدة دون أن يرتدي “الباردي”، بلغة أهل الاختصاص، جلبابا مغربيا أصيلا أو سلهاما أو قفطانا رجاليا، حسب الانتماء الجغرافي لفرسان السربة وأذواقهم.
في هذا الصدد، أوضح الخمسيني محمد بلمعلم، صانع النسيج التقليدي محترف “الدرازة”، أن “كل سربة تختار ما يناسبها من الأزياء، فهناك من يفضل الجلابة وهناك من يفضل القفطان أو السلهام حسب عادات وتقاليد المنطقة التي تنمي إليها السربة”.
وزاد شارحا: “أهل مراكش وبني ملال مثلا، يفضلون ركوب الخيل بارتداء القفطان أو الحايك، فيما يفضل أهالي الدار البيضاء ونواحي فاس الجلباب والسلهام”، مسجلا أن كل هذه الأزياء تُخاط بشكل يدوي باستعمال الصوف أو القطن حسب طلب الزبون وقدرته المالية.
وسجل المتحدث لالحياة 24 أن “حرفة الدرازة لا تعرف إقبالا إلا خلال فترة المواسم التقليدية والأعياد، بينما تكون حركية القطاع ضعيفة وتعرف انكماشا خلال باقي فترات السنة”.
ولا يمكن أن يستغني الفارس الممتطي للجواد عن “التماك”، وهو عبارة عن حذاء جلدي يُغطي القدم والساق، ثم النعال التقليدية أو “البلغة” بالدارجة و”إدوكان” بالأمازيغية، التي ترمز للأصالة المغربية، إذ تكون في غالب الأحيان ذات لون أصفر ومصنوعة من الجلد.
في هذا الصدد، قال عبد الرحيم زريفي، صانع نعال تقليدية من فاس، إن “التماك والبلغة عنصران مهمان في لباس الفارس، إذ يلعب الأول دور كبيرا في حماية سلامة راكب الخيل وفي الحفاظ على أناقته”، مشيرا إلى أن “لون التامك يكون في الغالب متناسقا مع لون سرج الفرس ولباس الفارس”.
ولفت الزريفي، في تصريح لالحياة 24، إلى أنه تعلم حرفة صناعة النعال التقليدية في ورشات المدينة العتيقة لفاس، مسجلا أن معرض الفرس بالجديدة يشكل بالنسبة إليه فرصة أولا لعرض منتوجاته التقليدية، وفرصة أيضا لبناء علاقات إنسانية ومهنية مع باقي الصناع التقليديين واستقطاب زبائن جدد كذلك.