
هل يستثمر “الشعر النبطي” التجربة المغربية في جمع الملحون “ديوان المغاربة”؟
توصية بجمع مخطوطات الشعر النبطي، وتحقيقها، خرج بها “مؤتمر أبوظبي للشعر” المنظم في إطار “مهرجان أبوظبي للشعر” بالعاصمة الإماراتية، من أجل حفظ هذا الزجل الذي قيل ويقال بعاميات الجزيرة العربية.
الشعر النبطي الذي تميز فيه شعراء وشاعرات في عدد من دول الخليج العربي، أدب شفهي، يقال في البادية والصحراء، ومن بين من عرفوا به مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد، الذي جمع في مئات الصفحات ديوانه النبطي، وفق ما أعلن المهرجان.
ومن التجارب التي من الممكن استحضارها مع إرادة الجمع المعبّر عنها، تجربة تحقيق وإصدار دواوين شعر الملحون بالمغرب، التي قامت بها لجنة خاصة أسستها أكاديمية المملكة المغربية، التي تعد أعلى هيئة فكرية بالبلاد، خاصة وأن الملحون من أبرز التعبيرات الشعرية بالدارجة المغربية في مختلف مناحي الحياة، دينا، وحبا، وأسرة، وعلاقة بالطبيعة، وهزلا، وقيما، وعلاقة بالوطن، والسياسة، ومشاغل الحياة اليومية، وقضايا الناس، وهموم الحياة، وملذاتها… مما جعله يوثق بعامية رفيعة العديد من مناحي عيش المغاربة طيلة قرون قد تغفل عن التفصيل فيها الكتابات التاريخية.
#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}
واستفادت هذه اللجنة من عمل انطلق عقودا قبل ذلك، من مناقشات أطروحات دكتوراه متخصصة في الزجل المغربي مثل “القصيدة” للأكاديمي عباس الجراري، واهتمام الإذاعة الوطنية بنشر الوعي بمضامين ومكنونات الملحون بعد الاستقلال، وانطلاق شعب بالجامعة المغربية تهتم بـ”الأدب المغربي”، بما في ذلك شعبيِّه، وبـ”الأدب الأندلسي”.
ومن المحطات البارزة التي عرفها توثيق شعر الملحون “معلمة الملحون” التي أعدها أول وزير ثقافة مغربي محمد الفاسي، وصدرت عن أكاديمية المملكة المغربية في ستة أجزاء، ضامة مختارات محقّقة من الملحون، وعروضه، ومعجمه، وأفضل عشقيّاته، وأعلامه، مع خطة عمل كان من المرتقب أن يتوالى تنزيلها في أجزاء تالية.
لكن مع رحيل محمد الفاسي، استأنفت أكاديمية المملكة الاشتغال على هذا المشروع بلجنة متخصصة تضم أكاديميين وباحثين وشعراء عارفين بالملحون، وكنانيشه، وأشياخه، وأغراضه، وموسيقاه، ومعجمه.
وفي أحد عشر مجلدا صدرت “موسوعة الملحون” التي أشرف على لجنة إعدادها عضو أكاديمية المملكة عباس الجراري، بعد تحقيق فرز ما تصح نسبته لأشياخ الملحون، وما لا تصح، وما يشكّ في نسبته إليهم، مع تقديم هذه الأعمال بدراسة تضع كل شاعر في سياقه التاريخي، واهتماماته الأدبية، ومسيرة حياته.
وتحيط هذه الموسوعة بأعمال أبرز شعراء الملحون المغاربة خلال ما يزيد عن أربعة قرون، وهم شعراء تمكّنت اللجنة من جمع ما يكفي من أعمالهم لإخراجها في ديوان خاص، كما أعملت مبدأ عدم الرقابة على الأعمال وما قاله الشعراء ولو تراجعوا عنه، حفظا لذاكرة الزجل المغربي.
ولم يكن هذا العمل الذي يروم جمع “ديوان المغاربة” يسير التحقق، بل صدر ديوانه الأول سنة 2008، ولم يصدر جزؤُه الحادي عشر إلا بعد أحد عشر سنة من ذلك.
وتبرز هذه التجربة نموذجا ممكنا لجمع أشعار عامية أخرى، لأن الملحون، بدأ بدوره شفهيا بعامية غير بعيدة عن اللغة الفصيحة إلا إعرابا، وتأخّرت كتابته، كما أثبت ذلك الأكاديمي عباس الجراري، بعدما طال تداوله بين عموم المغاربة وخصوصهم، قبل أن يحقق ويجمع في دواوين محكمة صارت مرجعا للمتخصصين في الأدب الشعبي المغربي.