
“الإيسيسكو” تستشرف مستقبل الترجمة العربية في ظل تطور “الذكاء الاصطناعي”
تفكيرٌ في مستقبل الترجمة من اللغة العربية وإليها، من خلال واقع الترجمة وتحديات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حضر في مؤتمر دولي، افتتحته منظمة الإيسيسكو، اليوم الأربعاء، بمقرها في العاصمة الرباط.
وبتعاون مع “جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم (التاج)” بالمغرب، تعقد منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) هذا المؤتمر “سعيا إلى تعميق الوعي بضرورة إجراء مزيد من الدراسات والأبحاث لمناقشة إشكاليات الترجمة العربية التي تعتمد على الآلة والذكاء الاصطناعي”، نظرا لـ”التقدم الكبير الذي شهدته الترجمة الآلية التي استفادت كثيرا من معطيات الذكاء الاصطناعي، وتطور قدرتها على الترجمة بسرعة فائقة، وحفظ النصوص المترجمة في ذاكرتها”، وهو واقع يرى المترجمون أنه لا تزال معه الترجمة الآلية “عاجزة عن تقديم ترجمات مرضية مقنعة بسبب قصورها وضعف إمكاناتها في التعامل مع النصوص الجديدة”، وهي مشكلات “تتفاقم عند ترجمة النصوص من العربية أو إليها بسبب قلة الأنظمة والتطبيقات الإلكترونية ومحدودية انتشارها، وبسبب خاصة التشكيل وضبط الحروف العربية”.
#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;}
محمد نبيل بنعبد الله، متخصص في الترجمة ووزير سابق، قال إنه رغم ظن البعض أن “الذكاء الاصطناعي سيعوض عمل المترجم”، إلا أن التحديات التي تواجهها هذه المهنة “واقع تصطدم به جميع المهن، لأنه مع الذكاء الاصطناعي ستكون آليات ستعوض الجميع”.
وفي كلمة ألقيت عن بعد، ذكر رئيس “مكتب بنعبد الله للترجمة” أنه “كيفما كان مستوى التعويض، لا يمكن أبدا تعويض العقل البشري والإحساس البشري، والعواطف التي تخترق الإنسان”.
وذكّر الوزير السابق بـ”الدور الأساسي الذي كان للترجمة عند العرب والمسلمين في نقل وإشاعة العلم بكل تجلياته”، وتابع: “إسهامات الترجمة في مختلف الأقطار العربية الإسلامية، أغنتنا بإسهامات حضارات وشعوب أخرى، وجعلتنا نسهم في تراث البشرية جمعاء، عبر ترجمة ما أنتجه العقل الإسلامي والعربي بكل العصور، في (…) فترة كنا فيها في مفترق طرقٍ جعلنا نلعب دورا أساسيا في نقل إسهامات حضارات متعددة”.
وواصل: “هذا عمل استمر في العهد الحديث من خلال بروز طاقات، ذات قدرات هائلة على المستوى اللغوي، قبل استقلال المغرب وبعده”، واليوم “هناك تحديات عديدة مرتبطة بدفاعنا عن مهنتنا كمترجمين، وهي مهنة حاولت دائما صيانة فضائها، واختصاصاتها (…) خاصة عندما ننتمي للتراجمة المحلفين، ويستمر هذا في إعادة صياغة القانون المؤطر للمهنة بالمغرب”.
وعددت كلمة سالم المالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، التي ألقاها بالنيابة نائب المدير العام عبد الإله بنعرفة، التحديات التي دفعت إلى تنظيم هذا المؤتمر في ظل تطورات الذكاء الاصطناعي الذي يمسّ الترجمة بشكل عام، بما في ذلك من وإلى اللغة العربية، وهي تحديات من بينها ما يطرح “مخاوف أخلاقية مرتبطة بالترجمة الذكية وإمكانية تحريف المعاني عن مقصدها الأصلي”.
علي أزيكي، رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم بالمغرب، تحدث عن التطورات المتسارعة مع مرور الوقت، في علاقة الذكاء الصناعي بالترجمة، وتطرق إلى “فوائد الارتقاء بالترجمة في بلادنا، لمصاف التجارب العالمية”، وعمل جمعية “التاج” في هذا المجال، في إطار جهود مُناسبَةِ العمل مع عمل مختلف الهيئات المحلفة محليا ودوليا، ورصد ما يعيق عمل المترجمين، وتيسير الترجمة، علما أنها “عمل إبداعي بامتياز، يعكس عصارة المترجم، لا مجرد جمل مسكوكة”.
من جهته أكد مجدي حاج إبراهيم، رئيس مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها، على أن “الترجمة الذكية لا تستطيع التمييز مثل المترجم ولن تكون أبدا بديلا عنه، بل ستكون أداة مساعدة للمترجمين”.
محمد خرشيش، مدير مدرسة الملك فهد العليا للترجمة، ذكر أن علاقة الذكاء الاصطناعي بعدد من المجالات هو “موضوع الساعة في الأوساط الأكاديمية”، لأن تأثير هذا التطور التقني يمس “جميع مجالات الحياة”، بما في ذلك الترجمة.
ويرى المتدخل أن تجارب الترجمة الآلية في نصف القرن قد أدخلت “براديغما جديدا ذا تأثيرات ثورية على واقعنا”، مما يتطلب تبني مقاربتين أولاهما علمية عند الترجمة من العربية وإليها باستعمال الذكاء الاصطناعي، وثانيتهما بيداغوجية باكتساب الكفايات والتكنولوجيا المخولتين للنجاح في الترجمة؛ لأنها “ليست مجرد عملية استبدال عبارات من لغةٍ أصل إلى عبارات من لغة أخرى”.
وزاد شارحا: “يوجد تباين في البيئات التي ترتبط باللغة ارتباط الروح بالجسد، واستقامة الترجمة تتطلب اللجوء إلى مراجع معجمية، والفهم والإفهام، من خلال التفاعل بين لغتين”، أما الذكاء الاصطناعي وبرمجياته “فلا يمكن إلا أن تستفيد الترجمة من التطور الحاصل فيه”، لكن حدود الاستفادة “لا يمكن معرفتها إلا بأبحاث علمية”.