
لاغارد تدعو إلى استعادة التوازن الاقتصادي
دعت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى مواجهة التحديات المشتركة التي تعرفها دول حوض البحر الأبيض المتوسط، مشيرة إلى أن “المنطقة تواجه تحديين مشتركين رئيسيين؛ وهما استعادة التوازن الاقتصادي والتوازن الطبيعي، ذلك أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تشهد فوارق اقتصادية كبيرة ومستمرة بين دولها”.
في هذا الصدد، أشارت لاغارد، في كلمة لها على هامش اجتماعات البحر المتوسط في مدينة مارسيليا الفرنسية، إلى أن “معدلات البطالة بين شباب جنوب المتوسط وشرقه من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، حيث تراوحت سنة 2019 ما بين 19 في المائة كحد أدنى في تونس و42 في المائة كحد أقصى في الجزائر. كما أن معدل مشاركة المرأة في سوق العمل بالمنطقة هو أدنى المعدلات على مستوى العالم، حيث بلغ 22 في المائة فقط برسم السنة عينها”.
ولفتت المتحدثة عينها إلى أنه “من المتوقع أن ينخفض عدد السكان على الشواطئ الشمالية بنسبة تزيد عن 4 في المائة؛ في حين يُتوقع أن تشهد الشواطئ الجنوبية والشرقية زيادة سكانية تقدر بـ20 في المائة بحلول سنة 2050″؛ غير أنها سجلت في الوقت ذاته أن “بلدان غرب المتوسط، على وجه الخصوص، بما في ذلك المغرب وإسبانيا وإيطاليا وتونس وفرنسا، تشهد أعلى مستويات الالتحاق بالجامعات، على الرغم من أن عددا كبيرا من خريجي الجامعات ما زالوا يعانون من البطالة”.
وأوردت رئيسة البنك المركزي الأوروبي أن “عواقب هذه المشاكل لا تقتصر على المناطق الأقل ثراء في المنطقة، إذ يؤدي انعدام الفرص إلى خسارة عدد كبير من الأرواح، حيث يسعى المهاجرون إلى الوصول إلى البلدان الشمالية الأكثر ازدهارا؛ وبالتالي فإن هذه البلدان التي يصل إليها المهاجرون تواجه الغضب والانقسام والضغوط على أنظمتها الاجتماعية”.
وشددت المسؤولية الأوروبية عينها على ضرورة “السعي إلى استعادة التوزان الاقتصادي وضمان قدرة شباب المنطقة على الاندماج والاستقرار”، مسجلة في الوقت ذاته أن “استعادة هذا التوازن لوحده غير كاف، إذ لا يمكن النظر في المسائل الاقتصادية بمعزل عن البيئة الطبيعية”.
في هذا الصدد، أشارت المتحدثة ذاتها إلى أن “حوض البحر الأبيض المتوسط يشهد بعض الاتجاهات المثيرة للقلق مع ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 20 في المائة فوق المتوسط العالمي”، مضيفة أن “بقاء السياسات الحالية دون تغيير سيؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة إلى مستويات عليا بحلول سنة 2040”.
وعلى سبيل المثال، قالت لاغارد إن “الجفاف الأخير، الذي ضرب غرب المتوسط، يوضح مدى الدمار الذي قد يترتب عن عواقب تغير المناخ. ففي المغرب، كان هطول الأمطار التراكمي في الفترة السابقة لزراعة المحاصيل الشتوية أقل بنسبة 50 إلى 80 في المائة من المتوسط على المدى الطويل؛ الأمر الذي جعل المزارعين يواجهون أسوأ موجة حفاف منذ ثلاثين عاما”.
وحول طرق إعادة التوازن الذي دعت إليه، أشارت المسؤولة سالف الذكر إلى “وجود بعدين عمليين لتحقيق الصالح العام في العصر الحالي؛ الأول هو الاعتراف بأن ما يوحد مجتمعاتنا أكثر مما يفرقها”، موضحة أن “الأحداث العالمية من حولنا توفر فرصة للتعرف على ما هو مشترك بيننا وتعزيز الروابط بشكل كبير في المنطقة”.
“من الممكن أن يؤدي هذا إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بشكل كبير في جميع أنحاء المنطقة؛ فقد تمكنت عدد من المناطق التجارية، على غرار منطقة طنجة المتوسط ومنطقة مرسين الحرة بتركيا، من أن تصبح جزءا أساسيا من سلاسل التوريد الصناعية المتطورة”، أكدت لاغارد، مضيفة: “على سبيل المثال، توجد الآن 11 من كبريات 20 شركة سيارات في العالم في المنصة الصناعية لطنجة المتوسط. وقد تعامل ميناؤها مع ما يقرب من نصف مليون مركبة جاهزة العام الماضي، وسيقوم المغرب قريبا بتصنيع أول سيارة كهربائية ذات تصميم محلي 100 في المائة”.
يتمثل البعد الثاني من البعدين العمليين الاثنين الكفيلين بتحقيق الصالح العام في العصر الحالي، وفق رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في تقاسم ثروات المنطقة بطريقة أكثر استدامة، مشيرة إلى وجود بعض التطورات التي تعطي أملا جديدا في هذا المجال؛ أبرزها اتفاقية باريس التي انضمت إليها جميع دول البحر الأبيض المتوسط و”الغزو الروسي لأوكرانيا” الذي يستدعي تعزيز أمن الطاقة وتنويع الواردات الطاقية، إضافة إلى زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة.
في السياق نفسه أشارت كريستين لاغارد إلى أن “المنطقة تتمتع بقدرات كبيرة على مستوى الطاقة الشمسية والريحية والهيدروجين”، لافتة إلى أن “تركيب أنظمة الطاقة، على غرار محطات الطاقة الشمية المركزة، سيمكن من توليد كهرباء بما يعادل 100 مرة استهلاك منطقة المتوسط وأوروبا مجتمعة. ومن المتوقع أن يلعب الموردون من شمال إفريقيا دورا مركزيا في تزويد المنطقة بالهيدروجين الأخضر منخفض الكربون”.
وخلصت رئيسة البنك المركزي الأوروبي إلى أن “اغتنام هذه الفرص لتقاسم الموارد الطبيعية في المنطقة والجمع بين المصائر من الممكن أن يحدث تحولات نوعية في العديد من المجالات، ومن شأنه أن يحقق أمن الطاقة ويمنح الشباب المهارات الضرورية، خاصة في القطاعات الخضراء والرقمية لبناء مجتمع عادل ومنصف. كما من شأنه أن يساعدنا جميعا على مواجهة التحدي الذي يواجهه عصرنا؛ ألا وهو وقف ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض”.